Friday, August 26, 2011

رسالة من مكتب البريد

مازال الباب مغلق

مجموعة من الناس المختلفون يقفون منتظرون قدوم الموظفين

رجال جنوبيين يرتدون الجلباب

سيدات منتقبات

فتاة في بدايات سن الشباب

أمراة ترتدي جلباب اسود ريفي

فتاه ترتدي ملابس عصريه

ورجالا يرتدون ملابس رسمية

شاب يرتدي ملابس عمال

كان ذلك امام مكتب البريد حيث ذهبت السمراء لاسترداد جزء من مدخراتها

اخيرا فتحت الابواب

المكان ضيق جدا لا يتسع حتي لوقوف العملاء

يجمع الموظف دفاتر التوفير ويرتبها باسبقية الحضور

يذهب لفترة طويلة ليجلب الاوراق التي يدون فيها العمليات الحسابية

حيث لم تغزوا التكنولوجيا ذلك المكان حتي الان

تستمع السمراء الى الاحاديث الجانبية

الامراة المنتقبة لجارتها : ولاد ...... قتلوا شباب زي الورد على حدود سيناء.... خمسة ماتوا مش حرام ده .... لازم ناخد حقنا

تقول السمراء في نفسها : هل القضية هي قضية اسرائيل؟ ام قضية انسان فقد حياته غدرا؟

لماذا لم ينفعلوا بالالاف الذين قتلوا في الميدان

والذين قتلوا في العبارة

والذين غدر بهم على ابواب الكنائس في ليالي العيد

والذين حرقوا في المسارح والقطارات ؟؟؟

تلتفت السمراء فتنظر ذلك الشاب الذي يريد ارسال خمسون جنيها الى اهله في مغاغه عبر حوالة بريدية

وتلك المرأة ذات الرداء الريفي الاسود التي قامت باسترداد عشرون جنيها من مدخراتها

وتلك المسنة التي تسأل على معاشها

فينتهرها الموظف : يا امه انتي لسة واخدة معاشك يوم 7 في الشهر عايزة تقبضي مرتين ؟

ترد برفق : يا ابني انت اللي قلتلي هتدونا المعاش قبل العيد ... انا مش عايزة مرتين ولا حاجة

وتنسحب المسنة تجر ازيال الخيبة

تقول السمراء لنفسها : ماذا سيفعل اهل هذا الشاب وتلك المراة ذات الرداء الريفي الاسود بتلك المبالغ الزهيدة ؟

وماذا ستفعل تلك المرأة المسنة بدون نقود في العيد ؟؟؟

تلتفت السمراء نحو الفتاة التي لم تناهز العشرين من عمرها وتراها وهي تخرج من كيس نقودها الختم وتبصم على الايصال

تقول السمراء في نفسها : استطيع ان افهم ان يكون الجنوبيين والريفيين المسنين مازالوا يستخدمون الختم والبصمة ولكن لا استطيع ان افهم ان تكون صغيرة الى هذا الحد وامية القراءة والكتابة حتي اسمها

تنظر الى الفتاه ذات الملابس العصرية فتجد ملامحها بلا تعبيرات

تمتلي السمراء حزنا

ينجز الجنوبي ذو الجلباب مهمته على الشباك ويخرج ثم يعود ويسأل الموظف : مكتوب على الايصال 8 جنيه وانا اديتك عشرة وانت ادتني جنيه فين الجنيه التاني

يجيب الموظف : فيه طابع دمغة بجنيه يا حاج

الحاج : فين الطابع ده ؟

يخرج الموظف ورقه من مكتبة ويقول : مش دي ورقتك اهو الطابع عليها

يخرج الجنوبي ذو الجلباب وهو يتمتم بصوت منخفض : هو احنا كرديات ... معدش الواحد يتنازل عن حقة

تبتسم السمراء في داخلها ويزول بعض الحزن

يعلوا صوت الرجل ذو الملابس الرسمية : اين الموظف الذي يجلس على هذا الشباك

يجيب موظف آخر بعنف : مجاش النهاردة ... واحنا اثنين موظفين على الناس دي كلها

يقول الرجل : دي مش مشكلتي دة طرد شغل ولازم يوصل في موعده ... اين الموظف البديل

يجيبه الموظف العنيف : وانا اعمل لك ايه اقف في دورك ولما اخلص الناس دي كلها هبقي اعمل لك اللي انت عايزه

الرجل ذو الملابس الرسمية : دور ايه انا واقف على شباك لوحدي فين مدير المكتب ده ؟

يجيب الموظف العنيف : انا مدير المكتب ولو مش عاجبك اشتكيني

يخرج الرجل عازما على تقديم شكوته لله

يردد احد الواقفين : هو عمل كده ليه الراجل مغلطش فيه قال له يستني الدور ؟؟؟؟

تعجبت السمراء من رد الفعل فهل فعلا كان الرجل متجاوزا دوره ؟؟؟

وعاد الحزن يدخلها مرة اخري

اخيرا وصلت السمراء الى الشباك

اريد استرداد مبلغ ......

يجيبها الموظف بابتسامه مستفزة : لقد نفذت اوراق دفترك ولن تستطيعين الاسترداد اليوم

تجيبه : كيف ذلك ؟ هل استخراج دفتر جديد يحتاج الى وقت؟

يجيبها بنفس الابتسامة : نعم ... عليك ملئ تلك الاوراق وعمل نسخة ضوئية

تخرج السمراء لتملئ الاوراق المطلوبة وعمل النسخة الضوئية وهي تفكر فيما عليها ان تفعل فاليوم الخميس وغدا الجمعة ومن بعده السبت وهي اجازة للمصارف والساعة تناهز الثانية عشر ....لن تستطيع الذهاب لمصرف اخر .... ماذا عليها ان تفعل ؟؟؟

تعود السمراء وتقف في مواجه الموظف العنيف فيسألها : لما انت منزعجه

تجيبه السمراء بما كان يدور في راسها عندما خرجت

يرد بعنف : يعني احنا كنا عارفين ان دفترك هيخلص

تندهش السمراء وترد بعنف : هو انت نفسك تعمل مشكلة مع اي حد .... شكل للبيع يعني

يجيبها : انا معملتش مشكلة مع حد

تجيب : هو انا كنت كلمتك اصلا

يقول : انا سألتك انت متضايقه ليه ؟

تجيب : ضيقي او فرحي شئ خارج اختصاصك

يفاجئ بالرد ويصمت

تلتقي عيناها بالموظف الذي بدي عليه علامات الخوف فياخذ منها الاوراق ويستكملها بسرعة فائقة ، ثم يسأل مديره ان كان يستطيع ان يردها المال التي تطلبه ... واجابه المدير بالايجاب فاعطاها الدفتر الجديد ورد لها المال المطلوب

خرجت السمراء متعجبة اذا كان ممكن فلما يتقاعصون ... وان كان غير ممكن فلما قاموا بفعله ... الانها استطاعت ايقاف الظلم ... فماذا عن الناس الذين لم يستطيعوا؟؟؟؟

8 comments:

مؤنس فرحان said...

حلوة أوى يا سمراء

تباين ردود الأفعال و اختلاف تفاعل الناس فى موقف واحد تيمة غنية وممتعة دايما
وانتى اسلوبك تحفة

حسن ارابيسك said...

أذيك ياسمرا
جميلة تلك اللوحة بوصفك إياها بدقة تفاصيل كل شخصية بداخلها
هو انتي رجعتي مصر خلاص وتركتي الرغبة
حمدالله على سلامتك ياسمرا
تحياتي
حسن أرابيسك

MKSARAT - SAYED SAAD said...

شوهو التعليم وأفقدوه قيمتة فتشوهت عقول المصرين وأصبح التفكير في أي شي ليس منطقي، فعلا تمكنوا من نشر الجهل ربنا ......

كوني بخير

الجنوبى said...

ربما تكون كلماتك هذه ترسم الصورة الحقيقية لمجتمعنا فنحن مجتمع يفتقد الى الحد الادنى من التصالح مع النفس وهو مع الاسف ملا تستطيع الثورات اصلاحه


دمتى بخير

بنت قلبى said...

اولا السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انا شايفه ان مجتمعنا بقا فيه اكتر من كده
والله اعلم ايه الا ممكن يحصل بعد كده
ربنا يسترها علينا يااارب

حاول تفتكرنى said...

كالعادة قرأت الوجوه والجروح ، وتحول الموقف المعتاد إلي سؤال بليغ عن التقاعس رغم القدرة أو الفعل رغم المنعة ، سؤال كلنا نعرف إجابته رغم عدم قدرتنا جميعا عن التعبير عنه بالفاظ محددة

نحتاج إلى هزة عنيفة ، حتي يدؤي كل منا دوره دون النظر إلى الوجوه لينتخب من بينها وجوها يمارس عليها نواقصة النفسية ويحترم آداميه الإنسان وحقوقه ولا يزنها بملابسه أو طيقة توقيعه أو ردة فعله

تحياتي

Blank-Socrate said...

عزيزتى السمراء
ارغب فى التواصل معك فى افق مختلف عن التدوين
menaysam@yahoo.com
Mena Sam @ facebook
تحياتى بلانك سقراط

أنا صديقى الوحيد said...

إذا رأوا حياتهم مثلما نراها لانتحروا استسلاما ولكن ...يالتفاهتنا